إننا لا نستجدي المجتمع الدولي بل نعلن حقنا وجدارتنا في الحياة والحرية
لا لكل أنماط الإبادة
نحن الباقون وهم العابرون
ولو وضعونا في القبور لا نموت ننهض لنقاتل
شكل السابع من أكتوبر مفصلاً مركزياً في تاريخ نضالنا الفلسطيني لاقتلاع المشروع الصهيوني الإمبريالي عن أرض فلسطين، وأن عبور المقاومة لفلسطين المحتلة عام 1948 شكل استعادة لطريق التحرير لفلسطين كواقع ممكن وقريب. ما دفع بالإمبريالية العالمية من أمريكا وحلفائها الغربيين والرجعيات العربية أن تسارع لإنقاذلانقاذ كيانها المهزوم في محاولة لمنع سقوطه، فشنت حرب إبادة على شعبنا حرب مجنونة تستهدف إنهاء الوجود الفلسطيني برمته حيث تم استهداف كل شيء من بشر وحجر وشجر في قطاع غزة والذي دفع إلى الآن بأكثر من عشرين ألف شهيد أغلبهم من النساء والأطفال، عدا عن تدمير أكثر من نصف البيوت والمستشفيات والمدارس.، كل شيء كل شيء، وامتدت حرب الإبادة بشكل مكثف وممنهج إلى الأسرى والأسيرات في السجون، وعلى امتداد الوطن من بحره لنهره.
خلال هذه الحرب وكما في كل الحروب الاستعمارية الصهيونية ضد الفلسطينيين، كان استهداف النساء الفلسطينيات مكوناً أساسياً من الجرائم الاستعمارية التي ترتكب بهدف اقتلاع الوجود الفلسطيني من أرضه. لكن تجربة هذا الاقتلاع تأخذ وجوهاً متعددة في حالة النساء الفلسطينيات، وباعتبارهن كما الأرض الفلسطينية، المصدر الأساسي ليس فقط للحياة الفلسطينية على هذه الأرض، ولكن أيضاً الحياة المستمرة للمقاومة الفلسطينية. هذه النظرة للنساء الفلسطينيات لا تقوم على فكرة أن المرأة الفلسطينية رمز للأرض التي يجب حمايتها والدفاع عنها فحسب، بل هي مقولة موضوعية، يعرفها كل من يعرف أهمية الدور الذي تلعبه النساء ليس فقط كأمهات بالمعنى البيولوجي والكمي (كما ينظر إليهن الاستعمار) ولكن بالمعنى الأوسع للأمومة: مصدر للحياة والحب والعطاء، ولأن قضية فلسطين هي قضية حياة وانسان، فإنهن في وعي ولا وعي المستعمِر يبقين هدفاً استراتيجياً في مشروع الاقتلاع والإبادة.
ومن هنا جاء استهداف الاستعمار للنساء الفلسطينيات، بشكله الأكثر وضوحاً كما غيرهن من الفلسطينيين: بالقتل والإبادة في الجرائم التي ترتكب فيما أصبح واضحاً أنه تصفية ليس فقط للمقاومة في غزة ولكن أيضاً للوجود الفلسطيني، من خلال الاستهداف الممنهج للنساء
وتأثيره على إعادة إنتاج الحياة الفلسطينية، لما يتسبب به من أضرار تسببها القذائف ومخلفات القصف تتعلق بالتأثير على الاجنة والعقم. والذي يشكل جزءا من ممارسات
هذا والاعتداء عليهن. لكن هذا القتل والاعتداء على حياة النساء الفلسطينيات لا ينحصر في القتل المباشر وإنما بما يراه الاستعمار الصهيوني الاقتلاعي في الاعتداء على قدرتهن على الإنجاب، وإعادة إنتاج الحياة الفلسطينية، كما وبالتالي حيث تتجلى العداوة الصهيونية للنساء الفلسطينيات في قتل أطفالهن، وقتل الأطفال في غزة، و لم يقتصر على هؤلاء الذين كانوا في أحضان أمهاتهن، أو كانوا يتشبثون بأيديهن أو أثوابهن، أو هؤلاء الذين ذهبوا ليمارسوا بعضاً مما تبقى من طفولتهم، ولكن أيضا باستهدافهم في أرحام أمهاتهم، والقصص عن النساء اللاتي ولدن ولادة مبكرة خلال الخمسين يوما الماضية تبين المدى الواسع الذي وصلته آلة البطش الصهيونية.
ولا يقتصر الأمر على استهداف رحم الأم الفلسطينية، حيث روت لنا جداتنا قصصاً لا تنتهي عن الأرحام التي فتحت وأخرجت أجنتها منها، والتي أخذت شكلاً أكثر تعقيدا تكنولوجيا اليوم مع تطور السلاح الاستعماري وآلياته، بل يتعداه لمحاربة ما يمكِّن الأم أن تكون أما، ليس فقط بمصادرة حضنها وتجريده من شعور الأمان الذي يوفره حضن أم لأطفالها، بفصل الأمهات عن الأطفال كما ظهر بأكثر أشكاله جلاء وقسوة في فصل الأمهات عن الأطفال الخدج، ولكن أيضا محاربة قدرتها على أن تقوم بمهمات الرعاية التي تقوم بها الأمهات، وعلى رأسها توفير الطعام لأطفالهن، ومع ذلك فإن نساء فلسطين كما كن دائما لا يعدمن حيلة، ولا ينهرن أو يهزمن بسهولة، ومع كل الألم والدموع، مع القتل والتدمير، فإنهن ما زلن قادرات على أن يكن أمهات، أمومة تستمد قوتها من حب الأم لأطفالها ومن حب الفلسطينية لأرضها، حباً لم تصل إليه آليات تجريد البشر من إنسانيتهم، سواء أخذت شكل التجويع والقتل البطيء أو شكل التدمير المباشر للبيت والحضن والجسد.
فما زالت نساء فلسطين قادرات على إعادة إنتاج الحياة، وهن لا يعدن فقط بإنتاج الحياة بالحمل والولادة، بل بإعادة إنتاج مقوماتها، بإيجاد بيت آخر غير ذلك الذي هدم حتى لو كان زاوية في ممر مدرسة أو مستشفى، وكل امرأة تعلم ما معنى خسارة البيت لامرأة يشكل البيت جزءاً أساسياً من وجودها وحياتها وبغض النظر عن أي “تقسيم جنسي للعمل”، ومع كل تحرر تحقق أو تتم المطالبة به للنساء من “قيود المنزل”، فإن البيت ليس دائما قيداً، بل أيضاً وفي كثير من الحالات مملكة ومجال حرية وحب، دفء وأمن.
ليس البيت والأطفال فقط ما تتم محاربة النساء الفلسطينيات به، بل جعلت هذه الحرب، وكما أساليب الاستعمار الصهيوني في استهدافها للنساء الفلسطينيات، أجساد النساء الفلسطينيات مجالاً آخر للاعتداء عليهن، وليس الحديث هنا عن القتل أو الاغتصاب، ولكن عن ذلك الفصل الذي قد يصل حد التناقض بين المرأة الفلسطينية وجسدها، بعملياته البيولوجية والطبيعية والتي صار على المرأة الفلسطينية أن تجد طريقة لتسيطر عليها طالما أنها حرمت من فضائها الخاص ومن الوسائل التي تمكنها من مراعاة هذه العمليات والحاجات الجسدية، وكل امرأة حرة تعرف معنى القهر والانكشاف المتضمن في هذا العداء الذي يخلقه المشروع الذكوري والاستعماري بين المرأة وجسدها، ومع ذلك فإننا نعود لنؤكد أن كل فعل نضالي ومقاوم، بكل أشكاله الجسدية والمادية الملموسة، يشكل استعادة من المرأة الفلسطينية لجسدها.
إن نضال النساء الفلسطينيات لا يقتصر على مشاركة فعلية في المقاومة في الشارع والميدان، وبالتأكيد لا يقتصر على الفكرة الذكورية والأبوية أنهن يناضلن بالإنجاب، ومن خلال أرحامهن، بل إن مقاومتهن وقوتها وقابليتها على الاستمرار والتجدد، تجد مصدرها في الوجود التكاملي للمرأة الفلسطينية، في حقيقة أن المرأة الفلسطينية لا تنكر عاطفتها، لا تعادي دموعها وحزنها بل تحتضن حزنها تنميه وتكبره كما لو كان طفلها وتعيده ليكون حباً وعطاءاً ومقاومة لشعبها ووطنها، المرأة الفلسطينية تبكي حياة أو حيوات فقدتها ولكنها في اللحظة ذاتها تعود لتعلن للعالم أننا لا ننسى حقنا، أن نضالنا هو نضال حق وحياة انسانية، وليس نضال كراهية، أن لدينا القدرة على بناء ما تم تدميره في الحاضر، وعلى الاستمرار في النضال حتى استعادة ما سُرق منا في الماضي، وحتى العودة إلى أرض وقرى أوصانا آباؤنا وأمهاتنا أن لا ننسى أنها أرضنا، لأن لا نتنازل عن حقنا فيها، حتى لو انهالت على رؤوسنا كل صواريخ وقنابل العالم، حتى لو سقطت جدران بيوتنا على رؤوسنا، فإننا ولو وضعونا في القبور، لا نموت.
المجد والخلود لشهدائنا وشهيداتنا
الحرية للأسرى والأسيرات
التحية للجماهير العربية والأممية في شوارع المدن العربية والعالمية
الفخر بسواعد المقاومة العربية من العراق الى اليمن الى لبنان وحدة الدم والمصير
العار لما يسمى المجتمع الدولي المشارك والصامت والأعمى عن إبادة الشعب الفلسطيني
الخزي والعار للأنظمة الرجعية التابعة والمشاركة في الإبادة
النصر للمقاومة والحرية لفلسطين
تشرين الثاني /نوفمبر 2023